بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         منذ أن استرجع المغرب اسقلاله، أي على مدى أربعة عقود ونيف، وموضوع الثقافة يشغل الأفكار والأقلام ؛ يثيره المهتمون به في شتى قضاياه، بدءاً من المفهوم إلى الخصوصية الوطنية، فالموقف من الأصالة والمعاصرة ومن التراث في شكليه المدرسي والشعبي، وما إلى ذلك مما عقدت حوله ندوات عديدة، وألقيت محاضرات كثيرة، وسال كذلك مداد غزير.

 

         وقد كنت – شخصيا – أشارك في بعض هذه اللقاآت، وأنشر مقالات، لعل منها ما هو من بواكير كتاباتي، وأنا ما أزال أختلف إلى فصول الدراسة في الجامعة.

 

         وكان من بين ما أصدرت لأول عهدي بطبع الإنتاج، مجموعة كتب تناولت فيها جوانب من تلك القضايا، أذكر منها: "من وحي التراث"، و "الحرية والأدب" و "الثقافة في معركة التغيير". ثم أتبعتها بعد مدة بأخرى عن "الفكر والوحدة" و "الثقافة من الهوية إلى الحوار"، و "معالم مغربية" و "الذات والآخر" ؛ في محاولة لتناول ما يجد في الإشكالية الثقافية، مرتبطا بالهوية ومقوماتها وعلاقاتها مع غيرها، لا سيما في سياق ثورة الاتصال وما تعرفه من مستحدثات آلية، وما تهدف "العولمة" منه، متسترة خلف "العالمية"، إلى احتواء مجال الثقافة، بعد أن احتوت غيره أو هي في الطريق إلى احتوائه.

 

         وعلى الرغم من أن هذه المستجدات غدت تفرض نفسها عبر شبكة الأنترنيت والقنوات الفضائية، وتغزو الناس في عقر بيوتهم، متسربة إليهم بعفوية وتلقائية وطيب خاطر منهم ورغبة واختيار ؛ فإن المسألة الثقافية ما زالت تثار عندنا في قضاياها الأولية التي لم نمل من ترديد الحديث عنها، دون أن نحسم فيها، ومن غير أن نتفق بشأنها على رأي. بل يبدو وكأننا نرجع خطوات إلى الوراء، بعد أن بدأ الخلاف يتسرب إلى بعض المقومات الأساسية للثقافة المغربية، في محاولة للتشكيك فيها، وسعي بالتالي للتفتيت والتمزيق.

 

         وبعد أن كان في النية جمع بعض الدراسات التي أَنجزتُ في الفترة الأخيرة، والتي تمس جوانب جديدة مما هو معروض حالياً في الساحة الثقافية، ارتأيت أن أضم إليها كتابات لي قديمة تتناول مشكلات، كان الظن أنها منتهية.

 

         وهي – جميعها – تعكس الهم الذي يخترم كل معتن بالثقافة المغربية، راغب في الحفاظ عليها عريقة أصيلة، والنهوض بها في خـط التطوير والتحديث ؛ لتكون قادرة – بذاتها – على أداء الوظيفة المتوخاة منها، وقادرة بعد ذلك على رفع التحديات التي تواجهها، لمواكبة ركب العالم المتقدم، بالمساهمة في عطائه وإغناء مجاله.

 

         وهذا ما جعلني أضع لهذا السفر عنوان "بقايا كلام في الثقافة" معتبراً ضرورة الانتهاء من مثل هذا الكلام، للدخول في غيره مما يتناسب والقرن الجديد الذي نحن عليه إن شاء الله في القريب مقبلون.

 

         وعلى الله قصد السبيل.

 

الرباط في 18 ذي الحجة 1419هـ                                             عباس الجراري

الموافق 5 أبريل 1999م